فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الجمهور: {ويتناجون}؛ وحمزة وطلحة والأعمش ويحيى بن وثاب ورويس: {وينتجون} مضارع انتجى.
{بما لم يحيك به الله}: كانوا يقولون: السام عليك، وهو الموت؛ فيرد عليهم: وعليكم.
وتحية الله لأنبيائه: {وسلام على عباده الذين اصطفى} {لولا يعذبنا الله بما نقول}: أي إن كان نبيًا، فما له لا يدعو علينا حتى نعذب بما نقول؟ فقال تعالى: {حسبهم جهنم}.
ثم نهى المؤمنين أن يكون تناجيهم مثل تناجي الكفار، وبدأ بالإثم لعمومه، ثم بالعدوان لعظمته في النفوس، إذ هي ظلامات العباد.
ثم ترقى إلى ما هو أعظم، وهو معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي هذا طعن على المنافقين، إذ كان تناجيهم في ذلك.
وقرأ الجمهور: {فلا تتناجوا}، وأدغم ابن محيصن التاء في التاء، وقرأ الكوفيون والأعمش وأبو حيوة ورويس: {فلا تنتجوا} مضارع انتجى؛ والجمهور: بضم عين {العدوان}؛ وأبو حيوة بكسرها حيث وقع؛ والضحاك: {ومعصيات الرسول} على الجمع.
والجمهور: على الإفراد، وقرأ عبد الله: {إذا انتجيتم فلا تنتجوا}، وأل في {إنما النجوى} للعهد في نجوى الكفار {بالإثم والعدوان}، وكونها {من الشيطان}، لأنه هو الذي يزينها لهم، فكأنها منه.
{ليحزن الذين آمنوا}: كانوا يوهمون المؤمنين أن غزاتهم غلبوا وأن أقاربهم قتلوا.
{وليس}: أي التناجي أو الشيطان أو الحزن، {بضارهم}: أي المؤمنين، {إلا بإذن الله}: أي بمشيئته، فيقضي بالقتل أو الغلبة.
وقال ابن زيد: هي نجوى قوم من المسلمين يقصدون مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس لهم حاجة ولا ضرورة.
يريدون التبجح بذلك، فيظن المسلمون أن ذلك في أخبار بعد وقاصدًا نحوه.
وقال عطية العوفي: نزلت في المناجاة التي يراها المؤمن في النوم تسوءه، فكأنه نجوى يناجي بها. انتهى.
ولا يناسب هذا القول ما قبل الآية ولا ما بعدها، وتقدمت القراءتان في نحو: {ليحزن}.
وقرئ: بفتح الياء والزاي، فيكون {الذين} فاعلًا، وفي القراءتين مفعولًا.
ولما نهى تعالى المؤمنين عن ما هو سبب للتباغض والتنافر، أمرهم بما هو سبب للتواد والتقارب، فقال: {يا أيها الذين آمنوا} الآية.
قال مجاهد وقتادة والضحاك: كانوا يتنافسون في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض.
وقال ابن عباس: المراد مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب.
وقال الحسن ويزيد بن أبي حبيب: كان الصحابة يتشاحون على الصف الأول، فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في الشهادة، فنزلت.
وقرأ الجمهور: {تفسحوا}؛ وداود بن أبي هند وقتادة وعيسى: {تفاسحوا}، والجمهور: {في المجلس}؛ وعاصم وقتادة وعيسى: {في المجالس}.
وقرئ: {في المجلس} بفتح اللام، وهو الجلوس، أي توسعوا في جلوسكم ولا تتضايقوا فيه.
والظاهر أن الحكم مطرد في المجالس التي للطاعات، وإن كان السبب مجلس الرسول.
وقيل: الآية مخصوصة بمجلس الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذا مجالس العلم؛ ويؤيده قراءة من قرأ {في المجالس}، ويتأول الجمع على أن لكل أحد مجلسًا في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانجزم {يفسح الله} على جواب الأمر في رحمته، أو في منازلكم في الجنة، أو في قبوركم، أو في قلوبكم، أو في الدنيا والآخرة، أقوال.
{وإذا قيل انشزوا}: أي انهضوا في المجلس للتفسح، لأن مريد التوسعة على الوارد يرتفع إلى فوق فيتسع الموضع.
أمروا أولًا بالتفسح، ثم ثانيًا بامتثال الأمر فيه إذا ائتمروا.
وقال الحسن وقتادة والضحاك: معناه: إذا دعوا إلى قتال وصلاة أو طاعة نهضوا.
وقيل: إذا دعوا إلى القيام عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم نهضوا، إذ كان عليه الصلاة والسلام أحيانًا يؤثر الانفراد في أمر الإسلام.
وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن عامر ونافع وحفص: بضم السين في اللفظين؛ والحسن والأعمش وطلحة وباقي السبعة: بكسرها.
والظاهر أن قوله: {والذين أوتوا العلم} معطوف على {الذين آمنوا}، والعطف مشعر بالتغاير، وهو من عطف الصفات، والمعنى: يرفع الله المؤمنين العلماء درجات، فالوصفان لذات واحدة.
وقال ابن مسعود وغيره: تم الكلام عند قوله: {منكم}، وانتصب {والذين أوتوا العلم} بفعل مضمر تقديره: ويخص الذين أوتوا العلم درجات، فللمؤمنين رفع، وللعلماء درجات.
وقرأ عياش عن أبي عمرو خبير: {بما يعملون} بالياء من تحت، والجمهور بالتاء. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في نشز:
النَشْزُ- بالفتح- والنَشَزُ- بالتحريك-: المكانُ المرتفع، وجمع النَشْزِ في القِلَّة أَنْشُز، مثال فَلْس وأَفْلُس، قال منظورُ بن حَبَّة:
كأَنَّه في الرّمل لمّا حَلَّزَا ** أَمارَ مِسْحاهُ يَشُقُّ الأَنْشُزَا

وجمعُ الكثرة: نُشُوزٌ مثل: فَلْس وفُلُوس، وجمع النَّشَز: أَنْشاز ونِشازٌ مثل: جَبَلٍ وأَجْبال وجِبال.
وأَمّا النَّشاز بالفتح فهو المكان المرتفع.
ويُقال للرّجل إِذا أَسَنَّ ولم ينقُصْ: فلانٌ والله نَشَزٌ من الرّجال.
ونَشز الرّجُلُ يَنْشُزُ وَيَنْشِزُ نَشْزًا: ارتفع في المكان.
ومنه قوله تعالى: {وإِذا قيل انْشزُوُا فانْشُزُوا}.
وقرأ بالضمِّ المدنّى والشامىّ وعاصم غير حمّاد بن أبي زياد، والباقون بالكسر.
وقيل معناه: انْهَضُوا إِلى حرْب أَو إِلى أَمر من أُمور الله.
وقال أَبو إِسحاق معناه: إِذا قيل انْهَضُوا فانهضُوا وقُوموا.
وقيل: قُوموا إِلى الصّلاة أَو قضاءِ حقٍّ أَو شهادة.
وقال أَبو زيد: نَشَزْتُ بِقِرَبِى أَنْشُزُ به: إِذا حملتَه فصرَعْتَه، وقال شَمِر: كأَنَّه مقلوب شَزِنَ.
ونَشَزَت المرأَةُ تَنْشُز وتَنْشِزُ نُشوزًا: اسْتَعْصَت على بَعْلِها وأَبْغَضَتْه، ونَشَزَ عليها بَعْلُها: إِذا ضَرَبها وجَفاها، ومنه قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا}، وقوله تعالى: {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي عِصْيانَهنَّ وتعالى هِنَّ عمّا أَوجب الله عليهنَّ.
وقال الأَزهرىّ: والنُّشوز: كراهةُ كلِّ واحد من الزوجين صاحبَه.
ونَشَزَتْ نَفْسى: جاشَتْ.
وتَلٌّ ناشِزٌ، وجمعه نَواشِزُ، قال:
عَفا بَطْنُ قَوّمِنْ سُلَيْمىَ فعالِزُ ** فذَاتُ الغَضَا فالمُشْرِفات النَّواشِز

وقلبٌ ناشِزٌ: ارتفع عن مَكانِه من الرُّعبِ.
وعِرْقٌ ناشِزٌ: لا يزال مُنْتَبِرًا، يَضْرِبُ من وَجَع به.
ورَكَبٌ ناشِزٌ.
وإِنشازُ عِظامِ المَيّت: رَفْعُها إلى مواضِعها وتركيبُ بعضها على بعض.
ومنه قوله تعالى: {كَيْفَ نُنْشِزُهَا}، قال ثعلب: وهذه هي القراءة المختارة. اهـ.

.تفسير الآيات (12- 13):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نهى عما يحزن من المقال والمقام، وكان المنهي عنه من التناجي إنما هو لحفظ قلب الرسول صلى الله عليه وسلم عما يكدره فهو منصرف إلى مناجاتهم غيره، وكان ذلك مفهمًا أن مناجاتهم له صلى الله عليه وسلم لا حرج فيها، وكان كثير منهم يناجيه ولا قصد له إلا الترفع بمناجاته فأكثروا في ذلك حتى شق عليه صلى الله عليه وسلم، وكان النافع للإنسان إنما هو كلام من يلائمه في الصفات ويشاكله في الأخلاق، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس من الدنيا تقذرًا لها لأجل بغض الله لها، أمر من أراد أن يناجيه بالتصدق ليكون ذلك أمارة على الاجتهاد في التخلق بأخلاقه الطاهرة من الصروف عن الدنيا والإقبال على الله، ومظهرًا له عما سلف من الإقبال عليها فإن الصدقة برهان على الصدق في الإيمان، وليخفف عنه صلى الله عليه وسلم ما كانوا قد أكثروا عليه من المناجاة، فلا يناجيه إلا من قد خلص إيمانه فيصدق، فيكون ذلك مقدمة لانتفاعه بتلك المناجاة كما أن الهدية تكون مهيئة للقبول كما ورد (نعم الهدية أمام الحاجة) فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة أغنياء كانوا أو فقراء {إذا ناجيتم} أي أردتم أن تناجوا {الرسول} صلى الله عليه وسلم أي الذي لا أكمل منه في الرسلية فهو أكمل الخلق ووظيفته تقتضي أن يكون منه الكلام بما أرسله به الملك وتكون هيبته مانعة من ابتدائه بالكلام، فلا يكون من المبلغين إلا الفعل بالامتثال لا غير {فقدموا} أي بسبب هذه الإرادة العالية على سبيل الوجوب ومثل النجوى كشخص له يدان يحتاج ان يطهر نفسه ليتأهل للقرب من الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {بين يدي نجواكم} أي قبل سركم الذي تريدون أن ترتفعوا به {صدقة} تكون لكم برهانًا قاطعًا على إخلاصكم كما ورد أن الصدقة برهان، فهي مصدقة لكم في دعوى الإيمان التي هي التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وبكل ما جاء به عن الله تعالى، ومعظمه الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، ولذلك استأنف قوله: {ذلك} أي الخلق العالي جدًا من تقديم التصدق قبل المناجاة يا خير الخلق، ولعله أفرده بالخطاب لأنه لا يعلم كل ما فيه من الأسرار غيره.
وعاد إلى الأول فقالك {خير لكم} أي في دينكم من الإمساك عن الصدقة {وأطهر} لأن الصدقة طهرة ونماء وزيادة في كل خير، ولذلك سميت زكاة {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} والتعبير بأفعل لأنهم مطهرون قبله بالإيمان.
ولما أمر بذلك، وكانت عادته أن لا يكلف بما فوق الوسع للتخفيف على عباده لاسيما هذه الأمة قال: {فإن لم تجدوا} أي ما تقدمونه.
ولما كان المعنى الكافي في التخفيف: فليس عليكم شيء، دل عليه بأحسن منه فقال: {فإن الله} أي الذي له جميع صفات الكمال، وأكده لاستبعاد مثله فإن المعهود من الملك إذا ألزم رعيته بشيء أنه لا يسقطه أصلًا ورأسًا، ولاسيما إن كان يسيرًا، ودل على أنه سبحانه لن يكلف بما فوق الطاقة بقوله: {غفور رحيم} أي له صفتا الستر للمساوئ والإكرام بإظهار المحاسن ثابتتان على الدوام فهو يغفر ويرحم تارة بعدم العقاب للعاصي وتارة للتوسعة للضيق بأن ينسخ ما يشق إلى ما يخف، وهذه الآية قيل: إنها نسخت قبل العمل بها.
وقال علي رضي الله عنه: ما عمل بها أحد غيري، أردت المناجاة ولي دينار فصرفته بعشرة دراهم وناجيته عشر مرات أتصدق في كل مرة بدرهم، ثم ظهرت فشق ذلك على الناس، فنزلت الرخصة في ترك الصدقة.
وروى النسائي في الكبرى والترمذي وقال: حسن غريب وابن حبان وأبو يعلى والبزار عن علي رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مرهم أن يتصدقوا. قلت: بكم يا رسول الله؟ قال: بدينار، قلت: لا يطيقون. قال: فنصف دينار، قلت: لا يطيقون، قال: فبكم؟ قلت: بشعيرة: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: إنك لزهيد»، فأنزل الله تعالى: {أأشفقتم} الآية.